الواحة الجديدة بأفانور :
بدء جني تمر المجهول بالواحة الجديدة لأفانور لهذه السنة، بعد سنة كاملة من العمل ...
الحمد لله المحصول في تطور مستمر في أفق أكبر التطلعات مستقبلاً ....
م ب
الواحة الجديدة بأفانور :
بدء جني تمر المجهول بالواحة الجديدة لأفانور لهذه السنة، بعد سنة كاملة من العمل ...
الحمد لله المحصول في تطور مستمر في أفق أكبر التطلعات مستقبلاً ....
م ب
دائما ما يُردد
رُواد التاريخ أن الإنسان صانعُ التاريخ وفاعلٌ فيه، وهو ما لا يمكن أن ننكره
ونشيح بأبصارنا عنه، مادام التاريخ على لسان المؤرخين هو تلك الذاكرة التي تحفظ
ماضي الإنسان بمختلف أنشطتها المادية واللامادية، وهذه الذاكرة يُشكلها الإبداع، الفن، الإنجاز،
المعمار...أو بكلمة واحدة الفاعلية.
ونحن نتقصى تاريخ ثقافتنا داخل سفوح الجنوب الشرقي، وتحديدا مدينة تنغير، نجد مَعلمة تاريخية صامدة أمام تغيرات وتذبذبات الدهر ورجات الزمن، تراثٌ مادي عريق تأسس منذ ما ينيف عن 400 سنة. المكان يدعى "لجامْعْ نْقْلاَّنْ"،(مسجد إقلان)، ينتمي جغرافيا وإحداثيا إلى دوار أفانور، ويُعد كنزا معماريا محليا لواحة تنغير وقاطنيها.
شُيد "مسجد إقْلاَّن" وفقًا للمعايير البنائية والهندسية العتيقة، وبُنيَ بالطين الذي بنيت به معظم القصور والقصبات، إن لم نقل جلها داخل ثقافة أهل الواحات، والتي تفننت فيها أنامل أسلافنا القدامى كذلك داخل ربوع الوطن الحبيب، فأتقنوا صنعهم، وأجادوا في حرفتهم، وخلّفوا تراثا مجيدا به يُذكر تاريخ المغرب وتاريخ تودغى خاصةً، وبهذا الصنيع أفادوا الإنسانية جمعاء، واستجابوا لنداء الرحمان بقوله تعالى" إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الاخر، سورة التوبة الآية 18.
"لْجامْع نْقّْلَّانْ" كان مَزارا يستقطب الغادي والرائح، كما رحب بالقار والمار، تُؤدى فيه الفروض الخمسة من الصلوات، وتُلقى بداخله خُطب الجمعاتِ والجُمَع وفتاوى الوعظ والإرشاد...
لقد أدى "لْجامْع نْقّْلَّانْ" والفاعلين بداخله، من إمامٍ ومأمومٍ ومصلين ومنظفين، رسالة الرحمان، ففعلوا في البلاد والعباد، وأرشدوا ونصحوا، ووجهوا وعَلَّموا، ويُذكر أن هذه المعلمة كانت تستقطب ما يفوق مئة عالم وداعية، أو باللفظ القديم المتداول "الفقهاء" أو "الفْقْها" هؤلاء عَلَّموا الصغار والبراعم، حَفظوهم القرآن بعدة وعتادٍ بسيط، من لوحة خشبية، وريشة من قصب، وحجر من صلصال، وسمخ من قطران، لكن بمنهج صارم وهمة مشحوذة، وفعالية ذاتية كَوَّنَتِ النشء وبثت فيه كلام الخالق ونحتته في صدره، فغدا أطفال تمازيرت ذاكرة تحفظ وتستوعب، وعقلاً يشتغل ويحلل، أو كما قال المصطفى الحبيب" من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" هذا فضلا عن كراسي الفقه وأصوله، وعلوم الشريعة وفروعها، والمُتُن بتعددها، من ألفية ابن مالك، والأجرومية لابن أجروم، وسير الأنبياء والصحابة، وحتى البُرْدَة والتوحيد ...كل هذا العطاء العلمي والزخم المعرفي كان يضج به "مسجد إقلان"، مع احترامٍ لهمةِ الفقيه، ومكانةِ العلماء الذين رفع الله من مقامهم، في قوله " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" سورة المجادلة الآية 11.
ولأن حفظ الذاكرة الجماعية والهوية الأصل واجبٌ وإواليةٌ من الإواليات، فقد دفع كل الغيورين الى ترميم بناية "مسجد إقلان"، وتعديل حيطانه وغرفه، حتى يستميت ويُعَمِّر أكثر، خصوصا أمام تغيرات المناخ وعوامل التعرية وفيضانات وادي تودغى التي تجرف البناء وتقتلع الأشجار وتفسد الغلة والمحصول، وكذلك حِفْظ هذا الموروث القديم من ضربات الحداثة وطعنات العصرنة التي قضت على التراث والمعالم والمآثر، وتراث الأجداد، ومسحت تاريخ الأقدمين بأيديولوجياتها، وغيرت تاريخ الأمم وأنستهم في أصلهم و شأفتهم و الأثيل ...
هذا الدافع استنهض ساكنة أفانور بطاقاتها
وكفاءاتها المحلية والمقيمة بالمهجر، بُغية الحفاظ على هذه المعلمة، وهذا ما تأتى
مع المستثمر الإسباني "روجي ميمو" (سليمان)، الذي أخذ فكرة تعديل المسجد
والاستثمار فيه مشروعا ناجحا، دون أن ننسى شباب "جمعية أفانور للتنمية"
الذين يحملون هم المنطقة على عواتقهم، إضافةً إلى الدور اللافت للمناضل الكبير "عدي
أقبلي" مدير ومسير هذه المعلمة
التاريخية الكبرى، والمزار السياحي الوطني والعالمي، فجهود هذا السيد أعادت
الاعتبار للجامع نْقَّلان، وأحْيَت الروح فيه مُجددا، وبعثت فيه الحياة، بعدما كان
قاب قوسين أو أدنى من أن يكون وكرا للوحوش البرية وموطنا للطيور المهاجرة ...
ولاريب أن هذه المجهودات كُلِّلَت بالنجاح، ولا زال العمل مستمرا حتى يصبح المسجد مشروعا سياحيا يذيع صيته في المعمورة، ويُعَرِّف الكل بتاريخ المغاربة والأجداد المقاومين، وحاملي الكتاب والعلم ....
#محمد_بوسكري